جريدة الخبير

يوم دراسي: قيم الاعتدال والتسامح في مواجهة التطرّف

نظّم مركز دراسة الإسلام والدّيمقراطيّة بالشّراكة مع المعهد العالي لأصول الدّين يوما دراسيّا بعنوان قيم الاعتدال والتسامح في مواجهة التطرّف بتاريخ يوم الأربعاء 27 جوان 2018 بنزل أفريكا بتونس العاصمة. أثّث الجلسة الأولى التي يرأسها الدّكتور منير رويس مدير المعهد العالي لأصول الدّين، كلّ من السيد عفيف الصّبابطي أستاذ الحديث النبوي بجامعة الزيتونة، السيد محمد الشّتيوي مدير مركز البحوث والدّراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة والسيدة بثينة الجلاصي أستاذ محاضر في الحضارة الإسلاميّة بجامعة الزيتونة. خلال الجلسة الثانية التي ترأسها الدّكتور رضوان المصمودي، قدّم مداخلة كلّ من السيد احميده النّيفر  أستاذ جامعي وعضو ببيت الحكمة والسيد صلاح الدّين الجورشي رئيس تحرير موقع شبيبة. تي آن.

قبل انطلاق الجلسة الأولى، قدّم كلّ من السيد رضوان المصمودي والسيد منير رويس كلمة ترحيبيّة مشيرين إلى ضرورة التصدّي لظاهرة التطرّف بالقيم والمبادئ الإسلاميّة وتطوير الخطاب الدّيني لكي يتماشى مع تحدّيات العصر .

خلال الجلسة الأولى، تحدّث السيد عفيف الصبابطي خلال مداخلته عن الوسطيّة والتسامح وما لهما من أثر بالغ وعميق في التصدّي لظاهرة التطرّف العنيف. وأشار إلى أنّ معنى الوسطيّة يشمل النّفاسة والعزّة والخيار الأفضل والأحسن. مؤكّدا على أنّ التطرّف يعني الابتعاد عن الوسط. أمّا فيما يتعلّق بالسّماحة والتسامح فهو عبارة عن الليونة في التعامل. ونوّه السيد الصبابطي بأنّ الوسطيّة والخيريّة منبعهما الإيمان بالله حيث أنّ الأمّة  الوسط التي تربّت على محبّة الكمال تصبح أمّة توّاقة للكمال. كما أشار في مستوى آخر إلى منابع الوسطيّة وهي العقيدة. أمّا تجلّيات الوسطيّة فهي تدور حول المنهج الأخلاقي الّذي أقرّره الإسلام. ومن بين القيم الاخلاقيّة الهامّة التي يجب ترسيخها في المجتمعات الإسلامية هو شعور المحبّة الّذي يُعدّ قضيّة أساسيّة قام عليها الإسلام. وفيما يخصّ العلاقة بين المتوافقين والعلاقة بين المتخالفين، أكّد الإسلام على ضرورة التحلي بثلاثة سمات هامّة. أوّلا الإحسان الّذي يشمل حسن ملاقاة الآخر وحسن التعامل معه. ثانيا، الكفّ عن أذى النّاس. ثالثا، الصبر على أذى النّاس. وقد شدّد السيد الصبابطي على أنّ  الاعتراف بوجود المخالف يشمل حسن معاملته وإكرامه. وفي سياق مداخلته، تعرّض إلى العلاقات القائمة بين المتخالفين خلال العهد النبوي التي قامت على القواعد الثلاثة التي تمّ ذكرها وهي الإحسان، الكفّ عن الأذى والصبر على أذى النّاس. ففي المدينة، كانت العلاقة بين المسلمين واليهود تشمل الشراء والبيع كما كانوا يتبادلون الزيارات في الأفراح والمناسبات. حيث أنّ الأقلّية اليهوديّة والنصرانيّة شاركت في الحياة الاقتصاديّة، في الحركة العلمية وحركة الترجمة وشاركت أيضا في السلطة. وأخيرا، أكّد السيد الصبابطي على أنّ قيمة الوسطية وقيمة التسامح هي قيم حاضرة بقوّة في الحضارة الإسلاميّة لم تتجلّ بعد  بالكمّ الّذي نطمح إليه الآن في القرن الحادي والعشرين ولكن هذا لا يمنع من افتخارنا بالرصيد القيمي خلال المحطّات التاريخيّة التي سبقت. لذلك يجب التركيز على نشر قيم الوسطيّة والتسامح لمقاومة التطرّف كنشر العلم للتصدّي للجهل.

 

أمّا السيد محمد الشتيوي فقد اعتمد في مداخلته على ثلاثة نصوص قرآنيّة لشرح العديد من المفاهيم. النص الأول هو قوله تعالى في الآية 83 من سورة النّساء: “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ”. ومن هنا أشار السيد الشتيوي على أنّ قضايا الأمن والرعب والخوف عندما تترك هكذا لا تزيد الأمر إلّا تضخّما وإذا أردنا حلّها فإنّه يتمّ ردّها إلى السنّة وإلى العلماء الّذين يستنبطون القضايا استنباطا صحيحا من مضانّها.  أمّا النص الثاني فهو مرتبط بأوّل ظهور في التاريخ بالفكر المتطرّف في التاريخ الإسلامي أي ظهور الخوارج الّذين كفّروا الصحابة رضي الله عنهم. وهو عبارة عن مناظرة جمعت الصحابي عبد الله بن عباس والخوارج.  ومن الفوائد التي يمكن استخراجها من هذا الحوار هو أنّه لا يوجد من بين الخوارج أيّ عالم من العلماء. فالعلماء كانوا منحازين إلى الوسطية والاعتدال. النصّ الثالث مأخوذ من كتاب رياض النّفوس للمالكي يتعلّق بأوّل ظهور للفتنة في بلاد المغرب العربي الكبير. حيث أرسل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في فترة حكمة 10 فقهاء إلى افريقيّة يتصدّرهم ابن أبي المهاجر ليعلموا الناس القرآن والعربية من أجل ترسيخ العلم الشرعي في البلاد. فعندما ثار الخوارج على حنظلة بن صفوان رجع إلى الفقهاء العشرة للإخماد الفتنة تطبيقا للنص القرآني المشار إليه آنفا. فأرسلوا إليه “رسالة تكاد تكون أول نص مكتوب عن مقاصد القرآن الكريم بطريقة إجماليّة لا تدخل في التفاصيل” على حدّ تعبيره. و قبل انتهاء مداخلته، أراد السيد الشتيوي إثارة بعض الإشكاليّات. من أكثر الأشياء التي يعاني منها الخطاب الدّيني المعاصر هو وجود الكثير من الأشخاص غير متخصصين في العلوم الشرعية يتكلمون باسم الإسلام فلا يعطون صورة صادقة عن الإسلام. ففي العلم الإسلامي يوجد نوعان من التطرّف جهة تتكلّم عن الإسلام بمنطق التشدّد والعنف وجهة تتكلّم عن الإسلام بمنطق غريب عنه حيث يضعون مفاهيم مخالفة للإسلام. والحلّ لا يكون إلّا بالعلم للابتعاد عن التطرّف والمغالاة. وأكّد السيد الشتيوي على أنّ الإسلام يتعرّض لثلاثة تشويهات وهي التحريف والغلوّ والكذب والتّأويل. لذلك يجب مقاومة المنتحلين المبطلين الّذين يوجدون في الإسلام أشياء ليست منه. وفي إشارة منه إلى أهميّة العلم والعلماء، اعتبر أنّ تكوين عالم حقيقي في الفقه أصعب من تكوين عالم في الذرّة لأنّ العلوم الطّبيعيّة ضيّقة ومحدودة إذ أن العالم في الدّين اليوم يجب أن تكون له شموليّة التكوين.

 

 

تناولت السيدة بثينة الجلاصي دور الزيتونيين المعاصرين في ترسيخ قيم التسامح لمقاومة التطرّف. حيث انقسمت مداخلتها إلى عرض مظاهر الدّعوة إلى التسامح ونبذ التطرّف، ذكر الأسباب الفكريّة للتطرّف وطرح سبل الوقاية من التطرّف. أوّلا، أكّدت على أنّ من مظاهر الدّعوة إلى التسامح ما هو أخلاقي نظري وما هو أخلاقي عملي وما هو أخلاقي فكري. ثانيا، من بين الأسباب الفكرية للتطرّف هو تجفيف المنابع، التحريف الكاذب والجهل المركّب. ثالثا، للوقاية من التطرّف يجب نشر التعليم الدّيني الصّحيح، زرع القيم الرّوحيّة الإسلاميّة، القراءة التجديديّة للدّين بالإضافة إلى الحاجة إلى حضور زيتوني حاضر في الجامع والجامع والمجتمع.

خلال النقاش، دعا بعض الحاضرين إلى تكثيف دور الزيتونيين في التصدّي للتطرّف وحضورهم الإعلامي من أجل نشر خطاب ديني معتدل ومعاصر قادر على التصدّي لظاهرة التطرّف والعنف. كما دعا البعض الآخر إلى اصلاح النظام التعليمي وتحيينه لكي يتماشى مع متطلبات الشباب والعصر الحاضر في إطار تقريب وجهات النظر بين الأجيال.

خلال التفاعل، أكد السيد عفيف الصبابطي على أنّ العلاقات الإنسانيّة داخل المجتمع يجب أن تخضع لقيم أخلاقيّة وهي الإحسان للمخالف وكف الأذى عنه والصبر على أذى النّاس لكي يعمّ السلام الدّائم. وأشار إلى أن جامعة الزيتونة هي جزء من المجتمع ستجد فيها ما وجدته في مختلف الفئات المجتمعيّة.و اعتبر السيد محمد الشتيوي أنّ تاريخ جامعة الزيتونة أكبر من حاضرها وذلك بسبب تغييبها وتحجبيها وتقليص دورها الذي من المفروض القيام به على المستوى الدّيني. شدّدت السيدة بثينة الجلاصي على أنّه لا يمكن أن يكون فلاح في الشأن السياسي والاقتصادي ومختلف المجالات إلّا بتوفّر ثلاثة أسباب وهي العلم والتعليم ونشر القيم الروحية التي تنبني عليها مقاصد الشّريعة الإسلاميّة وثالثا تجديد الخطاب الدّيني.

خلال الجلسة الثانية التي ترأسها السيد رضوان المصمودي، تمّ عرض فيلم قصير بعنوان “لا للإرهاب” تلته مداخلتان ثمّ نقاش.

انطلاقا من تجربته مشروع اليد في اليد لمقاومة التطرّف والإرهاب المنفّذ في عدّة مناطق داخليّة، أكّد السيد احميده النّيفر على أنّ العمل الميداني هو الّذي يسمح للفرد معرفة الثغرات للواقع الفكري ونبض الواقع في المجتمعات. حيث استنتج،  بعد استماعه إلى مختلف الفئات المتعرّضة للعنف، أنّ المرأة هو أكثر عنصر معرّض للعنف في حين يلعب الأب دور المحايد. كما اعتبر أنّ أسباب التطرّف عديدة من بينها البطالة، تعطّل الحوار الأسري، الإعلام الرّديء، البيئة غير السّليمة وتعامل الدّولة مع الفئات الاجتماعيّة ومواصلة تهميشها. كما أكّد على أنّ التصدّي للتطرّف لا يقتصر على تجديد الخطاب الدّيني وإنّما ينبغي تشريك مختلف العلوم الأخرى التي اعتبرها رديفة للشأن الدّيني كعلم النفس وعلم الاجتماع والفكر السياسي إلى غيرها من العلوم. كما تعرّض السيد احميده النّيفر إلى موضوع السياسات الشبابيّة التي أكّد أنّها فاشلة منذ عقود من الزمن. وأشار إلى أنّ السياسيين بصدد الهاء الشّباب عن المشاكل الاقتصاديّة والسياسيّة في البلاد وهو ما يعدّ خطيرا ويمكن ان ينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي. وأكّد على أنّه ما يحصل في تونس من مشاكل هو عبارة عن فاتورة السياسات الشبابيّة الفاشلة والاختيارات السياسيّة المسقطة. وفي سياق مداخلته، أكّد على انّ التطرّف أنواع ولا يقتصر على التطرف الدّيني. وذلك لأنّ المجتمع اشتغل بذهنيّة قصريّة معيّنة  وهو ما يدلّ على أنّنا غير قادرين على قبول ثقافة التعايش والتسامح في ما بيننا. مشدّدا على أنّ التطرّف ليس دينيا بل هو بنيوي ثقافي في مجتمعاتنا لأنّ ثقافة الحوار عندنا غائبة والبيئة الثقافية متعفّنة. وفي الأخير، أكّد السيد النّيفر على أنّ الرّهان الحقيقي لمشروع اليد في اليد مرتبط بأمرين أساسيين. أوّلا، إدراك أهمية المجتمع المدني  ودوره في الحياة المستقبليّة في تونس إذ يعالج الفردانيّة الجامحة التي دمّرت الفرد ومستقبله  في تونس. ثانيا، التركيز على بقاء الدّولة ومؤسّساتها لأنّ التخلي عن هذا الكيان يمكن أن يعرّض البلاد إلى الطّوفان. بالإضافة إلى ضرورة تركيز الدّولة المدنيّة التي تحترم المجتمع والفرد وتراعي التوازنات والسياسات العموميّة.

 

شدّد السيد صلاح الدّين الجورشي على أنّ لظاهرة التطرّف العنيف  عوامل عديدة لا يمكن اختزالها في عامل واحد. أوّلا، عدم الاعتراف بأزمة خطاب ديني وأنّ الخطاب المتداول يتّسم بعدم القدرة على الإجابة على عديد الأسئلة في الوقت الحاضر. وبالتالي فإمّا الانسحاب أو تقديم خطاب مطمئن لأنفسنا يدلّ على اكتفائنا بمستوياته. وهو غير معقول لأنّنا لا نحيط بالإشكالات المطروحة في تونس بالإضافة إلى الفجوة الموجودة بين توجّه جامعة الزيتونة وبين التحوّلات السارية في المجتمع التونسي اليوم . ثانيا، المرحلة الحاليّة تشهد ضعف الدّولة وانهيار النّخب وانتشار الارتجال غير المسبوق ممّا أدّى إلى غياب مشروع وطني مرتبط بالانتقال الدّيمقراطي. ثالثا، “ضعف مستوى المؤطّرين للرأي العامّ” على حدّ تعبيره. وهم الأساتذة ، الإعلاميون وأئمة المساجد. وفيما يتعلّق بالأئمّة هناك من يسعى من سياسيين ومثقّفين إلى ضمّ هؤلاء إلى المشهد من باب الترقيع والتلفيق، وطمس دورها في العلم. وقد ينسى هؤلاء أنّه لا يمكن الحديث عن انتقال ديمقراطي سلمي، ناجع، فعّال وناجح من دون أن يقوم الأئمّة بمهمّتهم في المجتمعات. فللإمام سلطة معنويّة مهمّة إذ أنّ الإمام ناقل سياسي للثّقافة الدّينيّة التي تعدّ جزءا من الهويّة الوطنيّة. مؤكّدا على أنّ الإمام هو أحد الوسطاء الأساسيين بين المتديّنين والدولة والمجتمع. وأشار السيد الجورشي إلى أنّ الإمام مطالب بنشر الأخلاق في المجتمع  وخاصّة مع المخالف في وجهة النّظر. وفي الأخير، نوّه بأنّ مرحلة الانتقال الدّيمقراطي تتطلّب قبول كلّ وجهات النظر والتعايش معها من أجل إعادة التأسيس المجتمعي.

 

خلال النّقاش، أشار أحد المتدخّلين إلى أنّ انتشار العنف في مختلف الأوساط المجتمعيّة وخاصّة في الوسط المدرسي هو نتيجة نشر وسائل الإعلام لمشاهد العنف اللفظي والمادي. كما اعتبر أحد المتدخّلين أن جامعة الزيتونة لن تستطيع القيام بدورها على أكمل وجه نظرا لفشل السياسات التوجيهيّة من الثانوي إلى مرحلة التعليم العالي.

خلال التفاعل، أكّد السيد احميده النيفر على ضرورة فهم الخصائص الاستراتيجيّة للمنطقة العربية التي ننتمي إليها وذلك من أجل فهم التوازنات الحضاريّة الاستراتيجيّة الكبرى. وهو ما يحتاج  إلى وعي تاريخي واستراتيجي من قبل مجتمعاتنا. أشار السيد صلاح الدّين الجورشي إلى وجود تيار سلفي علماني لا تقلّ خطورته عن الجماعات المتطرّفة الأخرى. واعتبر أنّ قدرة التونسيين على التعايش واحترام الرّأي الآخر مازالت محدودة إلى الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *