جريدة الخبير

حوار مع السفير السابق والمحلّل السياسي والاقتصادي السيد أحمد بن مصطفى: فرض التبادل الحر الشامل والمعمق سيضرب أسس الانتقال الديمقراطي لتونس

hiwar

في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعيشها تونس والتي باتت تؤثر سلباً على حياة المواطن التونسي، يصبح من الضروري طرح الأسئلة الهامة التي تمسّ الحياة اليومية لكل فرد في تونس، وطالما تحدثنا عن تأثّر المواطن بذلك وجب علينا مناقشته ورصده، وفي هذا السياق أجرت «الخبير» حديثا مع السفير السابق والمحلّل السياسي والاقتصادي السيد أحمد بن مصطفى وجاءت إجاباته كما يلي:

1- ما هو تقييمك للدبلوماسية الاقتصادية في تونس؟

اعتقد أن الدبلوماسية التونسية لم تواكب التطورات الهامة الحاصلة في مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية وظلت تعمل وفقا لمنظور قديم يختزل العمل الدبلوماسي في المجال الاقتصادي في البحث عن الاسواق للصادرات التونسية والتعريف بتونس كوجهة سياحية وكبلد يسعى لجلب المستثمر الاجنبي بشتّى الحوافز التي توفرها القوانين التونسية الجالبة للاستثمار.

وبطبيعة الحال تظل هذه المهام في صلب العمل الدبلوماسي ولكن الدبلوماسية الاقتصادية أضحت مطالبة ايضا بتوسيع مجال تحرّكاتها الى مهام ووظائف اساسية اخرى ألا وهي متابعة  ورصد التحولات والتطورات السياسية والاقتصادية على الصعيد الدولي الكفيلة بالتأثير سلبا او ايجابا على تونس وعلى امنها القومي الاقتصادي وعلى علاقاتها الدولية في مجال التعاون الثنائي او المتعدد الاطراف.

ومن ضمن الملفات الهامة التي يفترض ان تواكبها الدبلوماسية التونسية بعناية النزعة الانعزالية نسبيّا للإدارة الأمريكية الجديدة بعد انتخاب الرئيس «ترانب» واحتمالات تراجع العولمة الاقتصادية ومنظومة اقتصاد السوق وانعكاسات كل ذلك على العلاقات الامريكية الاوروبية خاصة بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الاوروبي الذي يعتبر الشريك الاقتصادي والسياسي الرئيسي لتونس وهو يسعى حاليا لتوسيع الشراكة معنا ويتعيّن علينا مواكبة ما يحصل صلبه من تحوّلات وما قد يترتّب عليها من تبعات على أمننا ومصالحنا القومية.

2- كيف يمكن تقييم العلاقة مع الاتحاد الاوروبي؟

إن العلاقات بين تونس والاتحاد الاوروبي تمرّ بمرحلة مفصلية في ظلّ الحصيلة السلبية لتجربة الشراكة الاقتصادية القائمة على التبادل الحر غير المتكافئ مع تونس وبقية بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط المستمرة منذ اعلان برشلونة الذي يفترض أنه جاء ليؤسّس لمفهوم جديد للشراكة وللعلاقات شمال جنوب يراعي مصالح كافة بلدان ضفتي المتوسط و ذلك من خلال ارساء اسس  لمنطقة وفضاء متوسطي مشترك للسلم والأمن والتعاون والتنمية المتبادلة.

ولكن واقع الحال يبيّن ان الجانب الاوروبي ما يزال يختزل هذه العلاقات في بعدها التجاري الضيّق من خلال مطالبة تونس  بتوسيع منطقة التبادل الحر للسلع الصناعية التي تم اقرارها بموجب الاتفاق المبرم سنة 1995 لتشمل بقية السلع والخدمات و القطاعات الاقتصادية التي ما تزال محمية  وهو ما يعرف باتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق.

وفي اعتقادي ان العلاقات مع الإتحاد الاوروبي بحاجة ماسة الى مراجعة جذريّة وتتطلّب الدخول في حوار استراتيجي بين الجانبين التونسي والأوروبي لنتوصّل معا إلى إرساء أسس شراكة حقيقية ومتوازنة بين الضفتين تستخلص العبر من تجربة الماضي وتسعى الى اعادة جسور الثقة المهتزة بفعل عدم التزام الجانب الغربي والأوروبي بعد الثورة بتعهّداته المضمنة بإعلان «دوفيل» الصادر عن قمة مجموعة السبع المنعقدة بفرنسا في ماي 2011 حيث التزمت هذه المجموعة والاتحاد الاوروبي بالعمل على انجاح الانتقال الديمقراطي بتونس من خلال برنامج ضخم للمساعدات المالية وإعادة الأموال المنهوبة إلينا ولكنهم تنكروا لهذه التعهدات.

3- ما هو موقفك من اتفاقيّة التبادل الحر الشامل والمعمّق ؟

اتفاقيّة التبادل الحر الشامل والمعمّق ،التي انطلقت الجولة الأولى للمفاوضات بشأنها بين تونس والإتحاد الأوروبي خلال شهر أفريا 2016 ،هي امتداد لاتفاقيّة التبادل الحر للسلع الصناعيّة التي تمّ امضاؤها سنة 1995 في إطار ما يسمى بعلاقات الشراكة القائمة بموجب إعلان برشلونة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الضفّة الجنوبيّة للمتوسط .

لكن هذه الاتفاقيّة لا تشكل فقط توسيعا لمنطقة التبادل الحر للسلع الصناعيّة لتشمل أيضا السلع الزراعيّة وقطاع الخدمات بل إنها ستؤدي في حالة إقرارها إلى فتح المجال أمام الشركات والمستثمرين الأوروبيين للولوج بكامل الحريّة الى كافة الأنشطة الاقتصاديّة بتونس الإنتاجية منها والخدماتيّة بما فيها القطاعات التي ليست مؤهلة لتحمل المنافسة الاوروبية غير المتكافئة كالفلاحة و الصفقات العمومية  وذلك فضلا عن حريّة الدخول للأسواق التجاريّة التونسيّة دون قيود أو حدود كميّة أو إدارية أو جمركيّة.

والملاحظ أن هذه الاتفاقيّة تثير مخاوف الفلاحين و المهن المستهدفة بالتحرير التي تخشى من المنافسة الاوروبية غير النزيهة فضلا عن   تحفظات  نشطاء ومنظمات المجتمع المدني التي تدعو إلى استخلاص العبر من النتائج السلبيّة لتجربة التبادل الحر  مع مجموعة الأوروبيّة التي تعود في حقيقة الأمر إلى بداية الاستقلال حيث تمّ اقرارها في أوّل اتفاقيّة للتعاون التجاري ابرامتها  تونس مع المجموعة الاقتصاديّة الأوروبيّة وهي اتفاق « المشاركة « الموقع بين الجانبين سنة 1969. لكن هذا الاتفاق لم يعمر طويلا وحلّ محله اتفاق 1976 الذي كان أكثر  توازنا ومراعاة لخصوصيات تونس الاقتصاديّة ولحاجياتها التنمويّة وللتفاوت في مستويات التنمية بين تونس والدول الأوروبيّة.

ومهما يكن من أمر فإن الحكومة التونسيّة مدعوة اليوم إلى التريث قبل المضي في توسيع التبادل الحر خاصة في ضوء الدراسات التقييميّة التي أعدها بعض الخبراء التونسيون والمغاربيون التي أظهرت النتائج الكارثيّة لاتفاقيّة 1995  على النسيج الصناعي التونسي وعلى المنظومة الانتاجيّة عموما هذا فضلا عن انعكاساتها السلبيّة على الميزان التجاري ومساهمتها الى جانب عوامل أخرى في تعميق العجز التجاري التونسي الى معدلات خطيرة وغير مسبوقة.

4– ما هو رأيك في الكتاب الصادر عن مؤسّسة «روزا لكسمبورغ» بعنوان «التنميّة عبر التبادل الحر» والذي تمّ تقديمه من قبل عدد من الخبراء؟

هذا الكتاب يكتسي أهميّة بالغة وهو يحتوي على مجموعة من الدراسات والبحوث النقديّة لحصيلة التبادل الحر بين أوروبا والدول المغاربيّة ،وقد أعدت هذه الدراسات من مجموعة من الخبراء والأساتذة الجامعيين والاقتصاديين من تونس والمغرب والجزائر الذين بيّنوا أن تجربة التبادل الحر لهذه الدول مع الاتحاد الأوروبي لم تكن موفّقة ولم تجن فوائد تذكر للدول المغاربيّة ،بل إنها زادت في تكريس تخلفها الاقتصادي وتبعيتها ازاء الاتحاد الأوروبي دون تحقيق الهدف الذي كان منشودا من اتفاقيات الشراكة والتبادل الحر بين الضفتين الشماليّة والجنوبيّة للمتوسط ألا وهو تحقيق الازدهار الاقتصادي و اقامة فضاء متوسطي للسلم والأمن والاستقرار والتنميّة المتبادلة لكافة شعوب المنطقة المتوسطيّة .

وقد لاحظت أن الكتاب قدّم من مجموعة من الخبراء الألمان والتونسيين الذين دعوا الاتحاد الأوروبي الى عدم فرض اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق على تونس لأنّه سيزيد في تعميق مشاكلها الاقتصاديّة وسيضرب أسس الانتقال الديمقراطي الهش بتونس.

5– ما هي اقتراحاتك المقدّمة في إطار الدائرة المستديرة التي التأمت على هامش تلك الندوة؟

كما تعلمين أنا أطالب منذ فترة طويلة بمراجعة جذريّة للعلاقات المختلة بين تونس والاتحاد الأوروبي والدول الغربيّة عموما وهذا يتطلب اعادة النظر لا فقط في اتفاقيات التبادل الحر بل أيضا في السياسات الاقتصاديّة المتوخاة منذ مطلع السبعينات والخيارات الدبلوماسيّة ذات الصلة ومن بينها اتفاقيّة الشراكة والتبادل الحر للسلع الصناعيّة لسنة 1995 وكذلك اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق الجاري التفاوض حوله .

وقد بيّنت في كتاباتي أن هذه الاتفاقيات لا تراعي التفاوت الشاسع في مستويات التنميّة بين تونس والاتحاد الأوروبي ولم تفض تباعا إلى إقامة شراكة حقيقيّة مفيدة للجانبين بل انها زادت في تعميق مشاكل تونس الاقتصاديّة وإغراقها في المديونيّة وتكريس تبعيتها الاقتصاديّة والماليّة الخانقة ازاء الغرب دون تمكينها من الاستفادة من الأسواق الأوروبيّة .

ومن خلال دراستي لمسيرة العلاقات بين تونس وفرنسا والمجموعة الأوروبيّة منذ القرن التاسع عشر بينت أن الجذور التاريخيّة لهذا الاختلال في العلاقات شمال جنوب يعود الى طبيعة الاتفاقيات التي فرضت على تونس منذ الاستقلال التي كانت تهدف إلى الحفاظ على الهيمنة الاقتصاديّة الفرنسيّة والأوروبيّة على تونس الموروثة عن حقيقة الاستعمار .

وللأسف تواصلت هذه السياسية حتى بعد الثورة بدليل أن الجانب الأوروبي ما يزال يضغط على تونس لتوسيع التبادل الحر والحال انه لم يلتزم بتعهداته الماليّة كما لم يلتزم بوعوده بمساعدة تونس على استرداد أموالها المنهوبة في ظل حكم النظام السابق .

وقد تقدمت خلال الدائرة المستديرة باقتراح عملي يتمثل في العودة الى اتفاق 1976 المبرم بين تونس والمجموعة الاقتصاديّة الأوروبيّة كإطار للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي وذلك اعتبارا الى أن هذا الاتفاق يقوم على أسس أكثر عقلانيّة وواقعيّة حيث ينصّ حرفيّا على ضرورة مراعاة التفاوت في مستويات التنميّة بين تونس والمجموعة الأوروبيّة كما يتعهّد الجانب الاوروبي بموجبيه على مساعدة تونس على بناء اقتصاد انتاجي وتحقيق الأهداف التي رسمتها لنفسها في مخططاتها التنمويّة .

6– ما هو الدور الذي يلعبه الاتحاد من اجل المتوسط خاصة في المنطقة الاورومتوسطية؟

في واقع الامر هذا المشروع ولد ميتا  وقد جاء بمبادرة من الرئيس الفرنسي السابق «نيكولا ساركوزي» للتغطية على فشل اعلان برشلونة المشار اليه سابقا. ولكنه اصطدم بمعارضة دول شمال اوروبا وخاصة المانيا وبالتالي لم يقع تفعيله على ارض الواقع ولم يكن له دور يذكر ومؤثّر على مسار الاحداث في منطقة المتوسط.

7- ما هو استشرافك للوضع في ليبيا؟

الوضع في ليبيا يتّسم بالغموض والضبابية في ظلّ الصعوبات التي تواجه الحكومة المركزية في طرابلس لبسط سلطتها على كافة أرجاء البلاد والحال ان هذه السلطة تحظى بدعم من الامم المتحدة ومن القوى الرئيسية في مجلس الامن.

اعتقد ان موازين القوة الداخلية التي يبدو انها تميل حاليا لصالح الجنرال حفتر بعد النجاحات العسكرية التي حققها في بنغازي والمناطق الشرقية ستكون احد العناصر الاساسية المؤثرة في تشكيل المشهد السياسي المستقبلي في ليبيا.  هذا الى جانب تراجع مكانة التيارات الاسلامية وتقلص وجود التنظيم الإرهابي داعش بفضل التدخل العسكري السري المباشر على الارض للدول الغربية الكبرى التي تسعى لحماية مصالحها النفطية بليبيا والتحكم في مسار الاحداث السياسية فضلا عن مساعيها لتحييد الخطر الارهابي حتى لا يطال ربوعها.

8- فيم تتمثّل مشكلة المغرب العربي والصحراء الغربية؟ وكيف يمكن حلّها؟

للأسف إن مشكلة المغرب العربي تكمن في تحوّله الى حلم بعيد المنال خاصة بعد تعثّر مشروع احياء الاتحاد المغاربي منذ القطيعة الحاصلة بين المغرب والجزائر منتصف التسعينات.

أمّا قضية الصحراء الغربية، فإنها تراوح مكانها منذ اكثر من اربعين سنة ولا اعتقد انه توجد أفق لحلّها في الامد المنظور او حتى البعيد في ظل تباعد المواقف بين الأطراف المعنية بهذه المعضلة.

أجرت الحوار: هاجر عزّوني

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *