جريدة الخبير

حوار مع الدكتور والخبير الاقتصادي رياض بن جليلي: البلدان الديمقراطية تحتاج إلى فصل بين الفكر السياسي والعمل السياسي المباشر

DSC_0176site

حاورته: هاجر عزّوني

صور . رحاب الزرعي

تتمثل القيمة العلمية المضافة من التقييم النقدي في تحديد ومحاولة الوصول إلى سياسة التنمية المثلى والممكنة التي تستطيع بالفعل تحقيق التشغيل الكامل أو الأمثل للمورد البشري وخاصة تشغيل الشباب، من خلال استقراء الواقع عبر الفترات التاريخية المختلفة، ومعرفة أهم ملامح سياسات التنمية الحالية فى تونس خاصة، وأثرها المتوقع على التشغيل ويقوم الباحث فيما يلي بعرض ونقد (المزايا والعيوب) أهم الأدبيات الاقتصادية حول التنمية الاقتصادية وعلاقتها بالتشغيل او التوظيف.

وتتمثل أهم وأحدث الادبيات الاقتصادية التي تناولت مفهوم التنمية الاقتصادية في الحاجة الضرورية التي تدعو للبحث عن مقاربات جديدة  لصياغة المقاربات التنموية في الوقت الراهن كما أنّ السبب في ذلك هو عدم الرضى عن النتائج التي أسفر عنها تطبيق نوعية معينة من السياسات التنموية في معظم الدول النامية على امتداد فترة ناهزت ثلاثين عاماً، وهي مجموعة السياسات التي انطلقت من توافق واشنطن الذي جسَّد الليبرالية الاقتصادية الجديدة في برامج محددة للإصلاح الاقتصادي.

وقد استوجب ذلك إصلاحات ضرورية للاقتصاد في تونس كما أنّ المخرج الاقتصادي اليوم في تونس يتطلب نسبة من الموضوعية خاصة في القضايا الاقتصادية والتنموية كالتفاوت الجهوي الذي لا يمثل اليوم موضوعا جوهريّا في مجمل الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد التونسي إلى جانب أهمية تطوير القدرات البشرية بم يحقق وحدة الشعب ويحقق التنمية.

وللتطرّق إلى هذا الموضوع الخاص بالإصلاحات الاقتصادية الجذرية وفهمه، توجّهت «الخبير» بمجموعة من الأسئلة لصاحب هذه النظرية وكتابه وهو الدكتور رياض بن جليلي الذي رحّب بمبادرتنا وأجاب عن أسئلتنا كما يلي:

DSC_0156 site

لو أردنا تعريف رياض بن جليلي، من يكون؟

رياض بن جليلي هو مدير البحوث والدراسات بالمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات بدولة الكويت.

هو خبير اقتصادي سابق بالمعهد العربي للتخطيط بالكويت لمدّة سبع سنوات وأستاذ جامعي لما يزيد عن عشر سنوات بعدد من الجامعات الفرنسية.

قمت بنشر العديد من الأبحاث في المجلاّت المحكمة العالمية في مجالات متعلّقة بالتنمية والاقتصاد القياسي والاقتصاد السياسي، تبلغ خبرتي المتراكمة في مجال البحوث والدراسات والاقتصاد التونسي على وجه الخصوص ما يقارب الثلاثون سنة، وأنا حاليّا مقيم بدولة الكويت.

ما علاقتك بمركز «جسور للسياسات العمومية»؟

أنا أحد مؤسّسي مركز جسور للسياسات العمومية معني بالأساس بالشأن الاقتصادي والتنموي. إذ تحتاج كل الدول الديمقراطية أن يكون إنتاج الفكر السياسي الاستراتيجي فيها منفصلا عن العمل السياسي المباشر، فالخصائص والآجال والبيئة مختلفة بين النشاطين.

وبلادنا تمرّ بمرحلة مفصلية تستدعي مراجعة عميقة لمختلف النماذج التي تنظم شؤونها وذلك في سياق محيط إقليمي يشهد تحولات كبرى، لذلك تتأكد الحاجة للتفكير في استراتيجيات سياسية جديدة تستجيب لمجمل هذه التحولات.

إنّ الحاجة للبحث عن حلول لمشاكل البلاد وتحدياتها في إطار إدماجي من خلال مدّ جسور التفكير بين عالم السياسة والمجتمع المدني، بين الجهات الساحلية والداخلية، بين الأجيال، بين الأحزاب وبين التيارات الفكرية.

بالإضافة إلى الحاجة للتعريف بالسياسات العمومية وفهمها وفتح حوار حولها على أوسع نطاق بهدف تعميم مضامينها وتيسير فهمها لعموم الناس، كل ذلك بهدف التأثير الناجع، على مستوى السلطات العامة وسائر أصحاب القرار السياسي والرأي العام، مباشرة أو من خلال وسائل الإعلام.

ونحن فريق من 20 مؤسس متنوعي الشخصيات والتخصصات، بما يعكس فلسفة التنوع والإدماج التي يقوم عليها المركز (معنى الجسور بين المتنوّع)، يتكوّن من  50% من السيدات و 50% من الرجال ومعدّل الأعمار أربعون سنة، به خبرات وثقافات من القطاع الخاص ومن القطاع العام، بالإضافة إلى تجارب لعدد من المؤسسين في أحزاب مختلفة: النداء، النهضة، المبادرة، التكتّل…

ما هي أهداف هذا المركز؟

هو مركز تفكير مستقل، متخصص في صياغة السياسات العمومية، يركّز اهتمامه على الأبعاد الإستراتيجية لتونس الجديدة، وبشكل أوضح يمكن تحديد أهداف المركز كما يلي:

– بلورة واقتراح أفكار في مجال السياسات العمومية بما يستجيب لحاجيات تونس الجديدة والمساعدة على تنزيلها مع مراعاة مختلف الأطراف المتداخلة والمعنية.

– الإسهام في بلورة «المشتركات الوطنية» (أي الأفكار التي يغلب التوافق عليها بين النخب وفئات الشعب في مجموعة من القضايا الأساسية) وإرساء جسور فكرية بين مختلف التيارات الإيديولوجية والعائلات السياسية والمنحدرات الاجتماعية والأجيال والجهات.

– الإسهام في تجديد الفكر السياسي في تونس من أجل مواجهة التحديات الكبرى للبلاد والاستجابة لانتظارات شعبها وقواه الحية والشبابية.

– التشجيع على بروز كفاءات جديدة تتفاعل إيجابيا مع أفكار المركز وتثري المشتركات الوطنية.

هل لك أن تقدّم لنا كتابك الجديد؟

هذا الإصدار الجديد لدار النشر Sud Editions

يتطرّق للإصلاحات الاقتصادية الكبرى كضرورة يستوجب التسريع فيها وفق إستراتيجية لها مقوّمات موضوعية عميقة تحملها إلى أرض الواقع زعامة سياسية للإقناع بالرؤية الموجّهة للإصلاحات، وقيادة من الإدارة المركزية لتنفيذ ومتابعة وإدارة المشروع الإصلاحي الاقتصادي والاجتماعي، وريادة اقتصادية من القطاع الخاص لتحريك الاستثمار في الاتجاهات والقطاعات الداعية للإنتاجية والإبداع والنمو بشكل قابل للاستدامة ومفعّل للتشغيل والتنافسية.

من هذا المنطلق، يسعى الكتاب إلى تشخيص الوضع الراهن في الجزء الأول بالاعتماد على منهجية لها ثلاثة أبعاد: نطاق تحليلي كلّي وجزئي  نظامي، مكّنت هذه المنهجية من تحديد مجموعتين من العناصر المعيقة للنمو والتنمية، المعوقات العرضية والتي لها صلة بسلامة بيئة الأعمال وبالعناصر المثبتة للثقة وللتحكم في عدم التأكد، والمعوقات الهيكلية المعبّرة عن مكومات النسيج الصناعي بالبلاد والعناصر المتحكمة في الإنتاجية والقدرة والحافز على الاستثمار.

انطلاقا من هذا التشخيص يستعرض الكتاب في الجزء الثاني أهم الإصلاحات التي يستوجب القيام بها مع توضيح الأولويات التي يتضمّنها كل إصلاح مشار إليه.

كما يتطرّق الكتاب، دائما في الجزء الثاني، إلى العناصر المحدّدة لإستراتيجية تنفيذ تلك الإصلاحات من أجل إنجاحها والتسريع في تطبيقها.

ما هو الهدف من هذا الكتاب؟

الهدف من هذا الكتاب هو إرشاد صاحب القرار وبلورة اقتراحات عملية تأخذ بعين الاعتبار المقوّمات والمرتكزات القائمة، في مجال الإصلاحات الاقتصادية الكبرى (ثمانية مجالات و إحدى وعشرون أولوية) تمكن البلاد على امتداد عشر سنوات من استحداث نقلة نوعية على مستوى النمو، والعدالة الاجتماعية، وتثبيت المسار الديمقراطي الذي يهدّده تعثّر الإصلاحات الاقتصادية. كما يستهدف الكتاب المجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطن عبر توضيحه لضرورة إعادة النظر في الخيارات الجماعية للمجتمع التونسي من أجل استدامة النمو وتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد.

فيم تتمثّل الرؤى والتوصيات بهذا الكتاب؟

من أهم التوصيات التي تضمّنها الكتاب في مجال الإصلاحات الاقتصادية، ضرورة الانطلاق من المكاسب القائمة بالخصوص على مستوى قطاع الصناعات المعمليّة أو التحويلية واعتماد سياسات صناعية تدعم تلك المكاسب وتنهض بها وتجعل من هذا القطاع قاطرة النمو والدّافع الأساسي لتطوير قطاعات أخرى مثل الخدمات الموجّهة للإنتاج بما في ذلك التمويل والنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وكذلك السياحة.

كما يتضمّن الكتاب رؤية جديدة لدور الدولة في إدارة المشروع التنموي كدولة إستراتيجية، في تحديد الأولويات الاتفاقية وصناعة القرار المتّجه نحو تطوير المؤسسات والسياسات، ودولة إصلاحية ذات مصداقية من حيث تثبيت مسارات الإصلاحات والتحكم فيها.

ويشير الكتاب إلى أنّ التعثّر الهيكلي للاقتصاد التونسي ليس وليد الثورة وأن مقومات هذا التعثّر كانت قائمة منذ بداية ال2000.

كونك خبير اقتصادي كيف يمكن مسايرة التغيرات الكبرى خاصة الأزمات التي تلقي بظلالها الثقيلة على السوق الاقتصادية؟

إنّ مسايرة التغييرات الكبرى تستوجب استحداث ركائز موضوعية لقراءة التطورات الجيوستراتيجية تساهم في بلورة أهم المخاطر والتحديات وكذلك الفرص التي يمكن استغلالها. كما تستوجب تطوير المعلومة الاقتصادية وخاصة تلك المتعلقة بالنسيج الصناعي وديمغرافية المنشآت والمقوّمات المتحكمة في البيئة المؤسساتية والأداء الاقتصادي للمنشأة (صغيرة أو متوسطة أو كبيرة الحجم).

لابدّ كذلك من ضبط القواعد المحددة لصنع القرار في اتجاه الرفع من كفاءة الدولة عموما والإدارة المركزية على وجه الخصوص.

أي دور للدولة في إحداث المنشآت الاقتصادية وخلق مواطن العمل في الجهات خاصة المهمّشة وكيف يمكن تفعيل هـذا الدور؟

يدافع الكتاب على فكرة مضمونها أنّ إحداث المنشآت الاقتصادية وخلق مواطن الشغل ليس من مشمولات الدولة بل ترجع بالأساس إلى القطاع الخاص.

أمّا بخصوص التهميش والتفاوت الجهوي فمن الضروري إعادة النظر في الفلسفة التي تحدّد نطاق التعاطي مع الجهة عموما، مثلما جاء توضيحه في الجزء الأول من الكتاب.

دور الدولة يكمن بالأساس في دعم القدرات للمواطن التونسي بقطع النظر عن الموقع الجغرافي الذي يوجد فيه، بمعنى توسيع الحريات الحقيقية التي يتمتّع بها المواطن وذلك بالاعتناء بالترتيبات الاجتماعية لتوفير خدمات الصحة والتعليم والحقوق المدنية والسياسية التي تهيئ الفرص للمشاركة في القضايا العامة.

كما يستوجب على الدولة القضاء على أهم مصادر عدم الحرية كالفقر وانعدام الفرص الاقتصادية والحرمان الاجتماعي وإهمال الخدمات العامّة.

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *