جريدة الخبير

مسار العدالة الانتقالية إلى أين ؟…: الكرامة والحقيقة مع هيئة الحقيقة والكرامة

DSCF0988+

عرف الشعب التونسي المناضل عهد الاستعمار الفرنسي وحكم البايات. ثم طل عهد الاستقلال مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين. واستبشر جيل الاستقلال بمسار إصلاحي انكب رجالاته على ما يهم المواطن التونسي من قريب وما يشغل مجتمعنا بأكمله.عرفنا ثورة تعليمية وصحية وهيكلية ومحاولة بناء اقتصاد مستقل على أنقاض استعمار رحل من بنزرت ليترك للجمهورية التونسية مسامير جحا. عرفت البلاد التونسية تجارب إصلاحية تمازجت فيها البرامج الاقتصادية بالتوجهات السياسية والنظام العالمي الجديد . وأطل علينا بعد رئيس محام درس بالسربون جنرال ترعرع في الدواليب الأمنية والعسكرية والاستخباراتية. وعاش الشعب التونسي فرحة الأمل فكانت بعدها نهاية مرحلة النشوة والتخمر وحضور الدائنين. وبعد مخاض عسير أطلت ثورة الربيع العربي على أنغام الحلم العربي .وأعدنا جميعا استرجاع تاريخ خلنا أن النسيان أسدل عليه الرداء الأسود. وتذكرنا جميعا قولة المؤرخ التونسي ابن خلدون أن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وان في باطنه نظر وتحقيق. فجاشت العاطفة واشرأبت الأعناق وتحرك السياسيون وتم بعث قانون العدالة الانتقالية في 2013 ليرسم الشعب التونسي بأكمله الأحياء منه والأموات والشهداء في سبيل هذا الوطن لوحة الأمل . وخلنا أن الألوان لن تكون باهظة الكلفة فكانت ضريبة تحملتها المجموعة الوطنية. وتنازل بمقتضاها شعب تونسي توافق وتوحد على كلمة واحدة الكرامة قبل الخبز والحقيقة أولا وأخيرا. وجاءت هيئة الحقيقة والكرامة بعتادها ورجالها ونسائها وتاريخ مناضليها وميزانيات صرفت من أموال المجموعة الوطنية. وكدست الملفات المودعة بالهيئة وفاقت العشرين ألف ملف تحت راية كشف الحقيقة ومحاسبة كل من أجرم في حق هذه البلاد ورد الاعتبار لكل من أهين وسلب حقه. لقراءة هذه المعضلة ارتأينا الاستبيان من أهل الاختصاص.

أسئلة كثيرة مازالت تبحث عن الاجابة. حوارنا مع الخبير الدولي الاستاذ الفضل بن علي مستشار في قانون وقضاء التحكيم المحلي والدولي ورئيس المركز التونسي السعودي للتحكيم والوساطة ورئيس مركز القاهرة الاقليمي للتدريب والتحكيم فرع تونس.

– كمختص وكباحث في قانون التحكيم كيف تقيمون قانون العدالة الانتقالية  ؟

النقاش حول هذا الموضوع اخذ وقتا اكثر من اللزوم وغلبت عليه الصراعات السياسية . كما ان الاعمال التحضيرية لقانون العدالة الانتقالية تميزت بالغوغائية والتجاذبات السياسية. وفي نهاية المخاض جاء في شكل الفانون الذي نعرفه اليوم بأهدافه النبيلة وما يحمله من امال شعب بأكمله وبهناته التي ضلت الى اليوم تنتقد لان مسار العدالة الانتقالية اصطدم بواقع غريب وعجيب . ولعل اعباء مسار العدالة الانتقالية رمي بثقله على مسؤولية هيئة الحقيقة والكرامة والتي بمجرد تحملها لهذه المسؤولية التاريخية ضنت انها الوحيدة التي استأثرت بهذه المهمة وهو ما يفسر عدائها لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي تقدمت به رئاسة الجمهورية.

– وضعتم اصبعكم على مربط الفرس٬ كيف تقيمون مشروع قانون المصالحة الاقتصادية ؟

المسالة ابسط مما يجول في خاطرك وفي خواطر اغلبية المواطنين ٬ هيئة الحقيقة والكرامة تم بعثها للقيام بمهام محددة ولا مانع قانونا وحسب احكام الدستور ان يتم بعث قانون او قوانين اخرى في مسار العدالة الانتقالية طالما لا تتعارض ولا تعرقل اعمال الهيئة.

– ولكن اين هي هيئة الحقيقة والكرامة ؟

ان كنت تسال عن مقرها فقد زارها الالاف من مودعي الملفات ٬ توجد بمونبليزير العاصمة وفتحت العديد من الفروع منذ اشهر قليلة. هيئة الحقيقة والكرامة تعمل كما لو كانت هيئة دستورية دائمة ٬ في حين انها كلفت بمهمة جسيمة حددت بأربع سنوات يقع حصرا التمديد بسنة واحدة بعد موافقة مجلس النواب . وهذه الفترة اوشكت على الانتهاء وما زلنا لا نسمع من الهيئة سوى الصراعات بين الاعضاء وترهات خرجت عن مسار المسؤولية الجسيمة التي القيت على عاتق الهيئة والتي تحملتها بكل جرأة ودافعت عن وجودها وتحدت مؤسسات الدولة في وقت كان من الواجب ايجاد صيغ تعاون تضمن التسريع للقيام بمهامها.

– هيئة الحقيقة والكرامة ٬ أين الحقيقة وأين الكرامة ونحن في 2016  ؟

سؤال لو طرحته على جبل لتصدع من هول الغموض الذي اكتنف أعمال هذه الهيئة. التصريحات الرسمية تكاد تتحدث عن الفنمنولوجيا وتربية الحلزون وندوات حول ذبابة التسي تسي في الزائير الشقيقة. ندوات ولقاءات وزيارات دولية ومراسم، وفي الأخير ماهي النتيجة ؟ الله اعلم.

– ماهي النتيجة الحالية والنتائج المتوقعة لأعمال هيئة الحقيقة والكرامة ؟

الاجابة تجدها لدى رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة ولدى رئيس لجنة التحكيم والمصالحة ولدى السادة اعضاء الهيئة ولدى السيد المدير القانوني للهيئة ولدى السيد المسؤول عن الاعلام.

– ولكن أين انتظارات الشعب التونسي في الحقيقة والكرامة ؟

الشعب التونسي مل وسئم وتقزز من الوعود .ما ينتظر من هيئة الحقيقة والكرامة فيما تبقى لها من آجال ضيقة للإجابة على هذه التطلعات يكاد يستوجب عصا سحرية.

اين تكمن الإخلالات القانونية في أعمال هيئة الحقيقة والكرامة ؟

يا سيدي العزيز سؤالك هذا يستوجب للإجابة عليه عشر اطروحات دكتوراه .

– ولكنكم بعد الاستقالة اودعتم ملفات فساد مالي بصفتكم رئيس مركز تحكيمي. كيف كان تعاون الهيئة معكم ؟

اذا كنت تسال عن النجاعة فلتسأل عن العشرين الف ملف الذين تم ايداعهم منذ اكثر من سنتين. ماذا فعلت الهيئة اكثر من انها استدعت البعض منهم لجلسات افادة تسمى جلسات استماع على غرار برنامج فرغ قلبك. وبالنسبة للجنة التحكيم والمصالحة كيف يتم قبول ملفات الانتهاكات والتعذيب بهذه اللجنة؟. ما علاقة هذه الملفات بموضوع التحكيم ؟. ومع من تتم المصالحة؟ ان كانت المسالة متعلقة بالتعويضات فهي من انظار لجنة التعويضات والتي لا يمكنها صرفها إلا بعد احداث صندوق الكرامة والذي يحدث بأمر من رئيس الحكومة. الاسئلة كثيرة ومتشعبة  ٬ ماذا فعلت الهيئة بالأرشيف الرئاسي الذي صحبته تلك الضجة ؟ ماهو دور قضاة التحقيق المنتدبين لدى الهيئة منذ أشهر اين هي اتفاقيات التحكيم ومن هم المحكمون ؟ اين هي الحقيقة والكرامة والمصالحة وكل هذه الشعارات؟ باختصار ستثبت الايام القادمة حجم مسؤولية هيئة الحقيقة والكرامة امام الشعب التونسي. وكل من تحمل مسؤولية فعليه تقبل المسائلة والمحاسبة.

أبو فرح

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *